الأحد، 1 سبتمبر 2013

المقالات والدراسات : أن تكون أحمد كمال زكي (1 من 2)

رؤى

أن تكون أحمد كمال زكي! (1 من 2)

بقلم: أحمد كمال زكي

لا أعتقد أن أحدا عانى من اسمه قدر معاناتي... لا لشيء إلا لأن القدر شاء أن يتشابه هذا الاسم «ثلاثيا»، مع اسم ناقد وشاعر كبير يعد من رواد الشعر الحديث أو شعر التفعيلة، هو الدكتور أحمد كمال زكي، والذي غيبه الموت في بداية شهر يناير الفائت.
ولا أخفي تأثري الشديد بخبر وفاته، رغم علمي بمرضه منذ فترة، لكنه الموت يمارس سطوته وينثر ارتباكه في النفس حين يمر على تخوم الروح، ويختطف ببراعته المعتادة هؤلاء الذين نحبهم أو تربطنا بهم الحياة... وقد شعرت بحزن شديد وكادت الدموع تطفر من عيني وأنا أقرأ رثاءً للدكتور أحمد كمال زكي وكأنني أقرأ رثاء نفسي!
و قد أسفت- كما أسف الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مقاله بجريدة «الأهرام» المصرية يوم 16 من يناير الفائت – « أن يكون الدكتور أحمد كمال زكي اسما مجهولا أو شبه مجهول لدى عامة القراء.»، فلم يحظَ خبر وفاته بالاهتمام من الصحف سواء المصرية أو العربية، وربما يرجع السبب – كما ذكر حجازي في المقال نفسه – إلى أن «معظم قراء الأدب لا يعرفونه أو لا يعرفون عنه إلا القليل، لأنه بالرغم من كل مواهبه ومؤهلاته كان مكتفيا بنفسه يؤثر العزلة ويتجنب الاختلاط»... وسواء أصاب حجازي أو لم يُصب، فسيظل الدكتور أحمد كمال زكي اسما بارزا بريادته و بما ترك من دراسات قيمة ربما أشهرها كتابه «الأساطير».
وكما ذكرت سلفا فقد جمع القدر بيني وبين الدكتور الراحل في الاسم الثلاثي، والشعر والقصة وقد طالبني عدد كبير من الأصدقاء – وغير الأصدقاء - بتغيير اسمي هذا حتى لا يحدث التباسا مع اسم الناقد الدكتور أحمد كمال زكي، حتى أن الصديق الشاعر أحمد الشهاوي عندما أهداني أول كتبه، في بداية صداقتنا، كان إهداؤه كالتالي:
إلى الشاعر أحمد كمال، بدون زكي، حتى لا يحدث التباس!
وكان الإهداء ترجمة لمحاولات سابقة لم تأتِ بنتيجة... ليس من الشهاوي فحسب، وإنما من أصدقاء آخرين أقدرهم وأعتز بآرائهم... وكنت أقول لهم جميعا إن «هذا هو اسمي» (مع الاعتذار لأدونيس!)... فلا أشعر سوى به... كما أنني نشرت كل أعمالي الإبداعية منذ العام 1990 بهذا الاسم... فكيف أتنازل عنه و عن أعمالي الآن؟!
وهذا ما حدث فعلا... ففي عام 1990 لم يكن الدكتور أحمد كمال زكي موجودا في مصر، صحيح أنه كان نجما في سماء الأدب والنقد في فترة من الفترات قبل أن يهاجر من مصر و تختفي آثاره – لا أدري كيف؟ - من الحياة الثقافية فلا يعود له ذكر... وفي الفترة التي كان الدكتور أحمد معروفا وحاضرا فيها، لم أكن أنا موجودا ليس في مصر فحسب... وإنما في الدنيا كلها... وعندما حضرت إلى الدنيا عام 1970 وبدأت أدرك غوايتي بالأدب، وأكتب شعرا وقصة، وأسعى لنشر ما أكتب... كان الدكتور أحمد غائبا في مهجره الاختياري، و لم يكن له ذكر إلا في بطون الكتب الأكاديمية، حتى أن كثيرا من الأدباء والمثقفين لم يكونوا يعرفون اسمه، باستثناء الذين عاصروه بالطبع... والذين كانوا يعرفون الاسم كانوا يعتقدون أنه رحل منذ سنوات، لذلك لم يعترض أحد على نشر إبداعاتي باسمي هذا... بخاصة أنني نشرت في البداية قصة قصيرة، و المعروف أن الدكتور أحمد لم يكتب قصصا قصيرة (لم أكن أعلم أنه كتب القصة القصيرة إلا بعد وفاته)... وتواصل إبداعي... وتواصل النشر منذ عام 1990... لكن بعد عودة الدكتور أحمد كمال زكي إلى مصر عام 2000 تقريبا، أي بعد عشر سنوات من بداية قيامي بنشر أعمالي الإبداعية باسم أحمد كمال زكي (اسمي والله العظيم!) بدأ البعض يطالبونني بتغيير اسمي... هكذا ببساطة!
وإن كان الشهاوي وغيره من الأصدقاء طلبوا مني هذا بشكل مهذب، فقد طلب شخص آخر ذلك بشكل غير مهذب، وذلك حين نشرت لي مجلة «الثقافة الجديدة» المصرية قصيدة بالعامية في يوليو 2003، وأثار الاسم هذا الشخص الذي حرص على أن يسبق اسمه بحرف «الدال»، وقد عرفت بعد ذلك أن الدكتور أحمد كمال زكي يشرف على رسالته للدكتوراه، وقد تطوع بالدفاع عن أستاذه فسمح لنفسه بمصادرة حقي في استخدام اسمي، وذلك في رسالة نشرتها «الثقافة الجديدة» في عددٍ تالٍ، قال فيها: «أريد الإشارة إلى هذا التطابق الغريب بين اسم صاحب القصيدة واسم واحد من رواد النقد العربي الحديث، الاستاذ الدكتور أحمد كمال زكي، أستاذ النقد الأدبي و الأدب المقارن في كلية الآداب – جامعة عين شمس. والدكتور أحمد كمال زكي - لمن لا يعرف - واحد من مؤسسى الجمعية المصرية للنقد الأدبى، وهو أيضا من رواد قصيدة التفعيلة، فضلا على إسهامات لا تحصى فى الثقافة العامة.» ثم تساءل: «لماذا يصر الشاعر الشاب (أحمد كمال زكى) على أن يصدر أعماله بهذا الاسم المتشابه (ثلاثيا) مع اسم رائد كبير من رواد الثقافة المصرية والعربية ؟» ثم أفتى بسبق الإصرار والترصد في استخدام هذا الاسم قائلا: «ولا ريب أن فى هذا الإصرار إساءة مضمرة ولا أقول مقصودة لهذا الرائد الكبير، ولا تفسير له سوى الرغبة فى الإفادة من تاريخ الرجل الكبير فى تمرير أعمال تختلف بطبيعتها عن أعمال الأستاذ الدكتور أحمد كمال زكى. وهذا من شأنه أن يحدث لبسا فى نسبة الأعمال إلى أصحابها وفى تقدير رجالها.»، ولم يتورع عن استخدام عبارة كانت تستخدمها الشرطة وبخاصة المباحث كثيرا حتى صدر قرار بعدم استخدامها، وهي عبارة نمى إلى علمنا، فقال: «وقد نمى إلى علمى غير مرة أحاديث من ذلك اللبس وشعرت - كما أثق أن كثيرين غيرى شعروا - بالاستياء لهذا العمل. ولا أحسب أن الأستاذ الشاعر الشاب (أحمد كمال زكى) يجهل هذا التداخل الذى يسببه التشابه بين اسمه واسم الدكتور أحمد كمال زكى. ومن ثم فلابد من الإشارة إلى هذا الإصرار العجيب من جانب صديقنا الشاب وما أحراه أن يغير بعض التغيير فى اسمه - دون أن ينتقص منه شىء - كأن يكون (أحمد كمال) أو (أحمد زكى) ليجنبنا ويجنب نفسه الوقوع فى حبائل التفسيرات المشوهة» ولم يكتفِ بمصادرة حقي في استخدام اسمي بخاصة أنه يجهل طبيعة ما حدث كما يجهل – لا شك – سماح الدكتور أحمد كمال زكي لي باستخدام هذا الاسم، فقد نصب نفسه صاحب رسالة تتمثل في دعوة المسؤولين في الصحف والمجلات بمشاركته في مصادرة الاسم قائلا: «وإننى أجد من واجبى أن أدعو القائمين على النشر إلى أن يلفتوا نظر الشاعر (أحمد كمال) – لا حظ أنه اختار لي الاسم الذي يروقه! - إلى هذا اللبس وأن يطلبوا منه تغيير الاسم، فإذا لم يستجب من نفسه فإن على مشرفى النشر في المجلات المختلفة أن يرفضوا نشر أعماله تجنبا لتداعيات قانونية معروفة (؟)، حفظا لحقوق المؤلف وحفظا لتاريخ واسم الرائد الكبير الأستاذ الدكتور أحمد كمال زكى».
ورغم رد المحرر الذي سخر من رسالة الدكتور، إلا أنني شعرت بالأسى، فأن يكون هذا حال أساتذة الجامعة عندنا فلا غرابة أن نرى ما نرى من سطحية وجهل بين شبابنا الجامعيين قبل الشباب متوسطي التعليم!
لكن لا أنسى أيضا أن اسمي هذا وضعني في مواقف يمكن وصفها بالطريفة، ففي عام 1998 – إن لم تخني الذاكرة – كنت أعمل في مكتب جريدة «المدينة» السعودية في القاهرة، وذهبت لمقابلة الكاتب محمد السيد عيد الذي كان مسؤولا عن إحدى الإدارات في الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولم يكن هناك موعد بيننا، وعندما دخلت مكتبه أخبرت السكرتيرة باسمي، ثم دخلت إليه لتخبره، وبعد أقل من دقيقة فوجئت بالمبدع محمد السيد عيد يخرج مهرولا مرحبا، وأدار بصره بين الموجودين فلم يجد من خرج للترحيب به، وطبعا لم أكن أفهم ما يحدث، فأخبرته باسمي (الثلاثي طبعا)، وهنا ضحك عيد وقال إنه كان يعتقد أن الذي حضر هو الدكتور أحمد كمال زكي، ثم داعبني قائلا إنه خرج ليقابل رجلا عجوزا فإذا بشاب فتي أمامه، وطبعا أدخلني فورا مكتبه وتحدثنا كثيرا عن تشابه اسمي مع اسم الدكتور أحمد كمال زكي، ولكنه لم يطلب مني في هذا اليوم تغيير اسمي!


--------------------
* المقال نُشر في جريدة "الراي" الكويتية بتاريخ 14 فبراير 2008م، ويمكن قراءة المقال الأصلي بموقع الجريدة من هنا: http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=26065

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة هذا الأسبوع