الجمعة، 22 نوفمبر 2013

رثاء الخلائق

رثاء الخلائق

شعر: أحمد كمال زكي

ذَهَبَ السَّنَاءُ بِمَوْتِهِ وَاسْتَوْطَنَتْ 
قِمَمَ الْحَيَاةِ سَفَاسِفُ الآَياتِ[1] 
وَخَبَا سَنَاهُ فَأُغْرِقَتْ مِنْ بَعْدِهِ 
كُلُّ النُّجُوْمِ بِحُلْكَةِ الظُّلُمَاتِ 
وَرَثَتْهُ بِالدَّمْعِ الْحَرُوْرِ خَلاَئِقٌ 
شَهِدَتْ بِمَوْلِدِهِ جَمَالَ الآَتِيْ 
حَتَّى الْمَلاَئِكُ أُمْطِرَتْ عَبَرَاتُهَا 
فَتَلَوَّتِ الدُّنْيَا مِنَ الأَنَّاتِ undefined
وَبَكَى عَلَيْهِ النَّخْلُ فِي عَلْيَائِهِ 
وَبَكَى الْجَمَادُ بِأَبْلَغِ العَبَرَاتِ 
وَعَلاَ نَحِيْبُ الكَائِنَاتِ جَمِيْعِهَا 
فِي الأَرْضِ، أَوْ فِي الْمَاءِ، وَالسَّمَوَاتِ 
وَرَمَى الذُّهُوْلُ سِهَامَهُ فِي الكَوْنِ حَتَّ 
ى لَمْ يَعُدْ أَثَرٌ مِنَ الضَّحِكَاتِ 
بِئْسَ النَّهَارُ نَهَارُ حُزْنٍ جَاثِمٍ 
فَوْقَ النُّفُوْسِ يَمُوْرُ بِالْمَأْسَاةِ 
جَاءَتْ غَرَابِيْبُ الكَآَبَةِ بَغْتَةً 
فَابْيَضَّتِ الأَحْدَاقُ بالآَهَاتِ 
وَتَهَدَّجَ الصَّوْتُ الْجَلِيْلُ مُرَدِّدًا: 
ذَهَبَ الرَّسُوْلُ مُوَزِّعَ الرَّحَمَاتِ! 
 ♦ ♦ 
ضَرَبَ الأَسَى كَبِدَ السَّمَاءِ فَأَظْلَمَتْ 
مَنْ مِنْ نِصَالِ الْحُزْنِ سَوْفَ يُجِيْرُ؟ 
وَالطَّيْرُ نَاحَتْ فَوْقَ آَكَامِ الأَسَى: 
يَا لَلثَّكَالَى! كَيْفَ ذَاكَ يَصِيْرُ؟ 
أَيَمُوْتُ ضَوْءُ الْحَقِّ، يَا وَيْحًا عَلَى 
قَوْلٍ كَهَذَا؟ إِنَّهُ التَّتْبِيْرُ! 
وَالشَّمْسُ قَالَتْ لِلسَّحَابِ بِشَهْقَةٍ 
حَرَّى: لِمَنْ بَعْدَ الْحَبِيْبِ أُنِيْرُ؟ 
قَدْ كُنْتُ عُمْرًا أَسْتَنِيْرُ بِوَجْهِهِ 
وَأَتِيْهُ إِذْ بَيْنَ اليَدَيْنِ أَسِيْرُ! 
كَانَ الْحَبِيْبُ يَمُدُّنِي مِنْ نُوْرِهِ 
وَبِنُوْرِهِ قَمَرُ السَّمَاءِ يُنِيْرُ 
وَاليَوْمَ وَجْهِيَ أَسْحَمٌ مِنْ حُزْنِهِ 
وَالقَلْبُ يَمْلَؤُهُ لَظًى وَسَعِيْرُ 
رَدَّ السَّحَابُ بِدَمْعَةٍ مَسْفُوْحَةٍ: 
إِنَّ الرَّحِيْلَ مُحَتَّمٌ، مَقْدُوْرُ 
وَاللهُ أَخْبَرَنَا، فَكَيْفَ نَسِيْتِهَا؟ 
إِنَّ الْمَوَاتَ عَلَى العِبَادِ مَصِيْرُ 
حَتَّى مَلاَكُ الْمَوْتِ سَوْفَ يَذُوْقُهُ 
فَهُوَ اليَقِيْنُ وَغَيْرُهُ التَخْيِيْرُ! 
 ♦ ♦ 
مَا شَافَ حَيٌّ أَوْ جَمَادٌ سَمْتَهُ 
إِلاَّ وَسَبَّحَ رَبَّهُ تَسْبِيْحَا 
فَرِحَ التُّرَابُ بِضَمِّهِ لِنَبِيِّهِ 
فَبَدَا كَمُنْفَطِرٍ يَسُوْقُ الرِّيْحَا! 
وَقَفَ الزَّمَانُ بِدَمْعِهِ مُتَرَقِّبًا 
شُهُبَ السَّمَاءِ تَجَرَّحَتْ تَجْرِيْحَا 
وَالطَّيْرُ ذَفَّتْ[2] بِالدُّمُوْعِ كَأَنَّهَا 
غَنَّتْ فَقُبِّحَ صَوْتُهَا تَقْبِيْحَا 
وَحَمَامَةُ الغَارِ الْمُسَوَّمَةُ اكْتَفَتْ 
بِالصَّمْتِ، لَمْ نَسْمَعْ لَهَا تَصْرِيْحَا 
وَالعَنْكَبُوْتُ تَحَسَّرَتْ إِذْ إِنَّهَا 
لَمْ تَنْسَ مُنْذُ الغَارِ ذَا التَّلْوِيْحَا 
ذَأَفَ الضِّيَاءُ فَأَغْطَشَتْ سُرُجُ النُّهَى[3] 
وَانْثَالَ حُزْنُ فِرَاقِهِ تَبْرِيْحَا 
نُقِلَ الرَّسُوْلُ مُحَمَّدٌ مِنْ صَفْحَةٍ 
طُوِيَتْ فَطَوَّحَتِ النُّهَى تَطْوِيْحَا[4] 
وَبَكَى البُكَاءُ مُشَيِّعًا خَيْرَ الوَرَى: 
حَضَرَ الغِيَابُ فَزَادَهُ تَوْضِيْحَا! 
إِنَّ النَّبِيَّ مُخَلَّدٌ فِيْ جَنَّةٍ 
وُعِدَتْ لِمَنْ صَلَّى وَلَيْسَ شَحِيْحَا. undefined


[1] السَّنَاءُ: العُلُوُّ والارتفاعُ. وسَفاسِف: جمع سَفسَاف، وهو: الرَّدئُ الحقيرُ من كل شيءٍ وعملٍ.
[2] ذَفَّ: أسرع.
[3] ذَأَفَ: مَات، والنُّهى: جمع النُّهيةِ، وهي: غايةُ الشيءِ وآخره.
[4] طوَّح: أفنى وأذهب، والنُّهى: العقل.

---------------
* القصيدة منشورة على شبكة الألوكة، ولمن يريد قراءتها، من هنا: 
http://www.alukah.net/Literature_Language/0/62726/#ixzz2lPyhTkCs

المواضيع الأكثر مشاهدة هذا الأسبوع