رثاء الخلائق
شعر: أحمد كمال زكي
ذَهَبَ السَّنَاءُ بِمَوْتِهِ وَاسْتَوْطَنَتْ
![]()
قِمَمَ الْحَيَاةِ سَفَاسِفُ الآَياتِ[1]
![]()
وَخَبَا سَنَاهُ فَأُغْرِقَتْ مِنْ بَعْدِهِ
![]()
كُلُّ النُّجُوْمِ بِحُلْكَةِ الظُّلُمَاتِ
![]()
وَرَثَتْهُ بِالدَّمْعِ الْحَرُوْرِ خَلاَئِقٌ
![]()
شَهِدَتْ بِمَوْلِدِهِ جَمَالَ الآَتِيْ
![]()
حَتَّى الْمَلاَئِكُ أُمْطِرَتْ عَبَرَاتُهَا
![]()
فَتَلَوَّتِ الدُّنْيَا مِنَ الأَنَّاتِ
![]()
وَبَكَى عَلَيْهِ النَّخْلُ فِي عَلْيَائِهِ
![]()
وَبَكَى الْجَمَادُ بِأَبْلَغِ العَبَرَاتِ
![]()
وَعَلاَ نَحِيْبُ الكَائِنَاتِ جَمِيْعِهَا
![]()
فِي الأَرْضِ، أَوْ فِي الْمَاءِ، وَالسَّمَوَاتِ
![]()
وَرَمَى الذُّهُوْلُ سِهَامَهُ فِي الكَوْنِ حَتَّ
![]()
ى لَمْ يَعُدْ أَثَرٌ مِنَ الضَّحِكَاتِ
![]()
بِئْسَ النَّهَارُ نَهَارُ حُزْنٍ جَاثِمٍ
![]()
فَوْقَ النُّفُوْسِ يَمُوْرُ بِالْمَأْسَاةِ
![]()
جَاءَتْ غَرَابِيْبُ الكَآَبَةِ بَغْتَةً
![]()
فَابْيَضَّتِ الأَحْدَاقُ بالآَهَاتِ
![]()
وَتَهَدَّجَ الصَّوْتُ الْجَلِيْلُ مُرَدِّدًا:
![]()
ذَهَبَ الرَّسُوْلُ مُوَزِّعَ الرَّحَمَاتِ!
![]()
ضَرَبَ الأَسَى كَبِدَ السَّمَاءِ فَأَظْلَمَتْ
![]()
مَنْ مِنْ نِصَالِ الْحُزْنِ سَوْفَ يُجِيْرُ؟
![]()
وَالطَّيْرُ نَاحَتْ فَوْقَ آَكَامِ الأَسَى:
![]()
يَا لَلثَّكَالَى! كَيْفَ ذَاكَ يَصِيْرُ؟
![]()
أَيَمُوْتُ ضَوْءُ الْحَقِّ، يَا وَيْحًا عَلَى
![]()
قَوْلٍ كَهَذَا؟ إِنَّهُ التَّتْبِيْرُ!
![]()
وَالشَّمْسُ قَالَتْ لِلسَّحَابِ بِشَهْقَةٍ
![]()
حَرَّى: لِمَنْ بَعْدَ الْحَبِيْبِ أُنِيْرُ؟
![]()
قَدْ كُنْتُ عُمْرًا أَسْتَنِيْرُ بِوَجْهِهِ
![]()
وَأَتِيْهُ إِذْ بَيْنَ اليَدَيْنِ أَسِيْرُ!
![]()
كَانَ الْحَبِيْبُ يَمُدُّنِي مِنْ نُوْرِهِ
![]()
وَبِنُوْرِهِ قَمَرُ السَّمَاءِ يُنِيْرُ
![]()
وَاليَوْمَ وَجْهِيَ أَسْحَمٌ مِنْ حُزْنِهِ
![]()
وَالقَلْبُ يَمْلَؤُهُ لَظًى وَسَعِيْرُ
![]()
رَدَّ السَّحَابُ بِدَمْعَةٍ مَسْفُوْحَةٍ:
![]()
إِنَّ الرَّحِيْلَ مُحَتَّمٌ، مَقْدُوْرُ
![]()
وَاللهُ أَخْبَرَنَا، فَكَيْفَ نَسِيْتِهَا؟
![]()
إِنَّ الْمَوَاتَ عَلَى العِبَادِ مَصِيْرُ
![]()
حَتَّى مَلاَكُ الْمَوْتِ سَوْفَ يَذُوْقُهُ
![]()
فَهُوَ اليَقِيْنُ وَغَيْرُهُ التَخْيِيْرُ!
![]() ![]()
مَا شَافَ حَيٌّ أَوْ جَمَادٌ سَمْتَهُ
![]()
إِلاَّ وَسَبَّحَ رَبَّهُ تَسْبِيْحَا
![]()
فَرِحَ التُّرَابُ بِضَمِّهِ لِنَبِيِّهِ
![]()
فَبَدَا كَمُنْفَطِرٍ يَسُوْقُ الرِّيْحَا!
![]()
وَقَفَ الزَّمَانُ بِدَمْعِهِ مُتَرَقِّبًا
![]()
شُهُبَ السَّمَاءِ تَجَرَّحَتْ تَجْرِيْحَا
![]()
وَالطَّيْرُ ذَفَّتْ[2] بِالدُّمُوْعِ كَأَنَّهَا
![]()
غَنَّتْ فَقُبِّحَ صَوْتُهَا تَقْبِيْحَا
![]()
وَحَمَامَةُ الغَارِ الْمُسَوَّمَةُ اكْتَفَتْ
![]()
بِالصَّمْتِ، لَمْ نَسْمَعْ لَهَا تَصْرِيْحَا
![]()
وَالعَنْكَبُوْتُ تَحَسَّرَتْ إِذْ إِنَّهَا
![]()
لَمْ تَنْسَ مُنْذُ الغَارِ ذَا التَّلْوِيْحَا
![]()
وَانْثَالَ حُزْنُ فِرَاقِهِ تَبْرِيْحَا
![]()
نُقِلَ الرَّسُوْلُ مُحَمَّدٌ مِنْ صَفْحَةٍ
![]()
طُوِيَتْ فَطَوَّحَتِ النُّهَى تَطْوِيْحَا[4]
![]()
وَبَكَى البُكَاءُ مُشَيِّعًا خَيْرَ الوَرَى:
![]()
حَضَرَ الغِيَابُ فَزَادَهُ تَوْضِيْحَا!
![]()
إِنَّ النَّبِيَّ مُخَلَّدٌ فِيْ جَنَّةٍ
![]()
وُعِدَتْ لِمَنْ صَلَّى وَلَيْسَ شَحِيْحَا.
![]() |
[1] السَّنَاءُ: العُلُوُّ والارتفاعُ. وسَفاسِف: جمع سَفسَاف، وهو: الرَّدئُ الحقيرُ من كل شيءٍ وعملٍ.
[2] ذَفَّ: أسرع.
[3] ذَأَفَ: مَات، والنُّهى: جمع النُّهيةِ، وهي: غايةُ الشيءِ وآخره.
[4] طوَّح: أفنى وأذهب، والنُّهى: العقل.
---------------
* القصيدة منشورة على شبكة الألوكة، ولمن يريد قراءتها، من هنا:
http://www.alukah.net/Literature_Language/0/62726/#ixzz2lPyhTkCs