الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

الشعر الفصيح: آية الغبار

آيَةُ الغُبَارِ
شعر: أحمد كمال زكي

أَجْلِسُ
مُتَّكِئًا عَلَى حَافَّةِ الوَقْتِ
غَيْرَ عَابِئٍ بِقَصْفِ الضَّوْءِ الرَّاعِشِ
حِيْنَ يُلَوِّحُ بِأَظَافِرِهِ اللاَّهِبَةِ
وَيَخْمِشُ وَجْهَ اللَّحْظَةْ
لاَ أَعْبَأُ بِتَرَانِيْمِ الْمَوْتِ
أُرْسِلُ عَيْنَيَّ بَعِيْدًا جِدًّا
أَلْتَقِطُ بَقَايَا أَشْلاَءِ الصَّوْتِ
لَكِنْ لاَ أَعْبَأُ بِالْمَعْنَى؛
فَالْمَعْنَى لَيْسَ سِوَى أَوْهَامْ
وَالنَّاسُ رُكَامْ
لاَ شَيْءَ يُعَبِّرُ عَنْ لاَ شَيءْ
صَمْتٌ يَخْتَرِقُ الصَّمْتَ، وَنَارٌ تَشْتَعِلُ بِنَارْ
ضَوْءٌ يَخْنُقُ فِيْ أَرْكَانِ الكَوْنِ الضَّوْءَ، وَنُوْرٌ يَطْعَنُ فِيْ قَلْبِ الرُّوْحِ الأَنْوَارْ
سَمْتٌ يَرْتَابُ مِنَ السَّمْتِ، وَقَلْبٌ تَتَقَلَّبُ فَوْقَ أَدِيْمِ بُحَيْرَتِهِ الْهَوْجَاءِ، الأَهْوَاءْ
الكُلُّ خَوَاءْ
وَأَنَا
أَجْلِسُ مُتَّكِئًا
لاَ أَعْرِفُ إِنْ كَانَ الوَقْتُ يَمُرُّ سَقِيْمًا أَمْ أَنَّ السَّقَمَ يَسِيْرُ عَلَى قَدَمَيْنِ مِنَ الوَقْتِ النَّازِفِ حَوْلِيْ
لاَ أَعْرِفُ إِنْ كُنْتُ بِحَقٍّ أَجْلِسُ أَمْ أَنِّيَ مَجْلُوْسٌ عَنِّي!
لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ شَيءْ
أَيْنَ الْمَفْيَأَةُ، وَمِنْ أَيْنَ يَجِئُ الفَئْ؟!
وَكَيْفَ يَصِيْرُ النُّوْرُ ظَلاَمًا، وَالأَحْلاَمُ كَوَابِيْسَ لِئَامْ؟
أَأَقُوْلُ الآنَ كَلاَمًا أَمْ أَنِّيَ مَحْضُ كَلاَمْ؟
يَا لَلأَوْهَامْ
كَيْفَ أَعِيْشُ الأَوْهَامْ؟!
أَنْ أَجْلِسَ فَوْقَ تُخُوْمِ الوَقْتِ الطَّائِرِ صَوْبَ الأُفْقِ بِلاَ أَجْنِحَةٍ
وَأَغُوْصَ بِقَاعِ غُبَارٍ مَمْلُوْءٍ بِغُبَارٍ فَوْقَ غُبَارٍ مِنْ تَحْتِ غُبَارْ!
وَأَجُوْعَ فَآكُلَ لَحْمَ الوَجْدِ، وَأَشْرَبَ - حِيْنَ يَصِيْحُ الظَّمَأُ - النَّارْ!
أَنْ أَقِفَ بِوَجْهِ العَاصِفَةِ وَلاَ أَنْحَنِيَ،
أَنْ أَطْفُوَ فَوْقَ الغَيْمِ، وَأَرْقُصَ وَحْدِيَ رَقْصَةَ مَوْتٍ، أَوْ أَصْمُتَ حِيْنَ يَكُوْنُ الصَّمْتُ كَلاَمْ!
أَنْ أَجْلِسَ قَسْرًا فَوْقَ تُخُوْمِ الآهْ
لاَ شَيْءَ يُسَاوِيَ عِنْدِيَ أَيَّ الأَشْيَاءْ
الكُلُّ هَبَاءْ
وَأَنَا
يَجْلِسُ فَوْقَ تُخُوْمِيَ وَقْتٌ مَرَّ حَزِيْنًا ذَاتَ مَسَاءْ
حِيْنَ أَثَارَ الشَّجَنُ ضُلُوْعِي
وَارْتَجَفَ الغَيْمُ بِعَيْنَي رُوْحِي
وَاشْتَعَلَتْ فِيْ مَاءِ القَلْبِ النِّيْرَانْ
وَتَنَاثَرَ فِيْ أَرْجَاءِ البَهْجَةِ بُؤْسِيْ
وَتَحَوَّلَ جَسَدِي، بَعْدَ مَلايِيْنِ الأَعْوَامِ، غُبَارْ!
***

لاَ تَقِفُوْا مِثْلَ تَمَاثِيْلِ القَسْوَةْ
إِنِّي مَنْثُوْرٌ كَبَرَاعِمِ حُزْنٍ تَتَفَتَّحُ فِيْ أَجْوَاءٍ غَائِمَةٍ، نَائِمَةٍ فَوْقَ جُرُوْحٍ غَطَّتْهَا الأَيَّامْ
تَصْعَدُ جَبَلَ الأَوْهَامِ مَسَاءً وَتَعُوْدُ إِلَى هَيْئَتِهَا الأُوْلَى كُلَّ صَبَاحْ
إِنِّي مَهْدُوْرٌ لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا عَن نَفْسِيَ أَوْ عَن أَحْلاَمِيَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِي الأَشْيَاءْ
فَتَعَالَوْا عِنْدِي،
قَبْلَ هُبُوْبِ الرِّيْحِ القَاسِيَةِ بِبَاحَةِ رُوْحِي
فَلْيَصْعَدْ أَوَّلُكُم أَشْلاَئِي
وَلْيَنْثُرْ آخِرُكُم فَوْقَ تُخُوْمِيَ آلاَفَ الكَلِمَاتْ
كَيْ أَجْمَعَ أَجْزَائِيَ مِنْ كُلِّ الأَرْجَاءْ،
وَأَعُوْدَ مِنَ الكَوْنِ الْمَسْكُوْنِ غُبَارًا،
وَتَعُوْدَ إلَيَّ الأَشْيَاءْ
لاَ تَقِفُوْا مِثْلَ الأَحْجَارْ
وَأَنَا
أَجْلِسُ فَوْقَ تُخُوْمِيَ مَذْهُوْلاً
مِنْ غَيْمٍ يَقْتُلُ غَيْمًا، أَوْ مَطَرٍ يَغْتَالُ الأَمْطَارْ!
وَحِمَارٍ يَحْمِلُ أَسْفَارًا/
مِنْ أَسْفَارٍ لاَ تَعْبَأُ إِنْ كَانَتْ فَوْقَ رُفُوْفِ الْحِكْمَةِ أَوْ فَوْقَ حِمَارْ!
مِنْ قَلْبٍ يَطْعَنُ قَلْبًا، أَوْ رُوْحٍ تَسْفِكُ رُوْحًا، أَوْ عُمْرٍ يَقْصِفُ كُلَّ الأَعْمَارْ
لاَ شَيْءَ بِشَيْءٍ.
لاَ ضَوْءَ بِضَوْءٍ.
لاَ مَاءَ بِمَاءْ.
الكُلُّ سَوَاءْ
وَأَنَا
أَشْعُرُ أَنِّي فِيْ كَوْنٍ آخَرْ
فِيْ وَطَنٍ آخَرْ
فِيْ زَمَنٍ آخَرْ
قَبْلَ زَمَانِ الأَسْمَاءْ!
***

الآنَ أَطِيْرُ وَحِيْدًا
فِيْ وَادٍ لاَ شَيْءَ بِهِ
وَسَمَاءٍ مِنْ دُوْنِ غُيُوْمٍ
وَجِبَالٍ مِنْ غَيْرِ الأَوْتَادْ
الآنَ أَغُوْصُ شَرِيْدًا
فَأَرَانِي أَطْفُوَ فِيْ كَوْنٍ مَرْصُوْدٍ

لِغُبَارِ الأَحْفَادْ!
-------------
* القصيدة نشرت في مجلة "الثقافة الجديدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة هذا الأسبوع